📡تكنولوجيا

رحلة الذكاء الاصطناعي: الدولة هي نحن


أضحى المؤتمر الدولي رحلة الذكاء الاصطناعي منصةً لمناقشة الفوائد العملية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإدارة الحكومية، من أجل خير ورخاء المجتمعات في كل دولة تُعنى بتطبيق التقنيات المتطورة وتنميتها بشكل فعال.

وعلى وجه الخصوص، كُرست جلسة المناقشات الرئيسية لموضوع الذكاء الاصطناعي في خدمة الإنسان: مساعدة الشعوب، وتوحيد البلدان . وقد ألقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمةً خلالها، أكّد فيها أن روسيا تُعدّ منصةً تكنولوجيةً وحواريةً للابتكارات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي. ويُعزى الفضل الكبير في ذلك إلى سبيربنك الروسي، وكذلك إلى التحالف الوطني في مجال الذكاء الاصطناعي.

وليس سرًا أن روسيا تراهن بشكل كبير على تطوير الذكاء الاصطناعي. إن التقدم في هذا المجال يعزز سيادة البلاد، ويعتبر أهم مورد لتحقيق الأهداف الوطنية للدولة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي يُسهم في الارتقاء بالقدرات الدفاعية. وفي هذا السياق، أكد الرئيس فلاديمير بوتين على أن التبنّي واسع النطاق للذكاء الاصطناعي يضمن تطورًا نوعيًا للاقتصاد والقطاعات الاجتماعية والإدارة الحكومية. مشيرًا إلى أن نمو الابتكارات في الظروف المعاصرة دون الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي.

وفي سياق الجلسة النقاشية، ضرب السيد غيرمان غريف، رئيس مجلس إدارة بنك سبيربنك، مثالًا بوزارة المالية الروسية، حيث يُستخدَم الذكاء الاصطناعي بنجاح في تصنيف نفقات الميزانية ومقارنة التمويل مع النتائج المتوقعة. ولا يقتصر هذا النهج على المستوى الاتحادي والعاصمة فحسب، بل يتم تطبيق التقنيات في الأقاليم الروسية أيضًا. فهناك أكثر من 200 مشروع تم إنشاؤها بمشاركة الذكاء الاصطناعي. وتُوظف حلول سبيربنك للذكاء الاصطناعي في 76 إقليمًا روسيًا (من أصل 89 إقليمًا)، أي في معظم أنحاء البلاد. وتُنفذ هذه المشاريع في الخدمات الحكومية والاجتماعية، والطب، والزراعة، والتعليم، والعلوم، ومجالات أخرى.

عرض ممثلون عن المجتمع الدولي، المشاركون في جلسة نقاش عامة، تجاربهم في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير تكنولوجيا المعلومات. وقدمت عائشة بن بشر، الخبيرة في مجال التحول الرقمي العالمي والمدن الذكية، والمديرة العامة السابقة لمكتب دبي للمدينة الذكية (Smart Dubai Office) من الإمارات العربية المتحدة، عرضًا عن الممارسات العملية لتطبيق الذكاء الاصطناعي في نظام المدينة الذكية . إذ يستخدم الزملاء العرب تحليل البيانات في التحقيقات الجنائية. فقد ساعد الذكاء الاصطناعي حرفيًا في خفض معدل الجريمة في مناطق دبي بنسبة 25%. وتُعد مشكلة الازدحام المروري في دبي مشكلة ملحة، كما هو الحال في العديد من المدن الكبرى. وقد تمكنت دبي من التغلب عليها. فبفضل إشارات المرور التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان سائقي السيارات توفير 20 دقيقة يوميًا، وبالتالي انخفض إجمالي عدد حالات الازدحام المروري بنسبة 15%.

وفي منطقة أخرى من العالم – الصين، يشهد الذكاء الاصطناعي أيضًا تفاعلًا نشطًا مع المؤسسات الحكومية. حيث قدم سون هاي تاو، رئيس معهد شنغهاي لبحوث الذكاء الاصطناعي (SAIRI) ومدير المركز الدولي للتميز لشؤون تطوير الذكاء الاصطناعي التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، للمشاركين عرضًا حول التجربة الصينية في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في القطاع الحكومي.

تُوظّف الحكومة الصينية الذكاء الاصطناعي في أتمتة إدارة البيانات، إذ أنه يُقدّم الدعم في عملية اتخاذ القرارات، ويُحسّن توزيع الخدمات والموارد الاجتماعية، بالإضافة إلى إدارة الميزانية بكفاءة. إنّ الاقتصاد الصيني متشربٌ بالذكاء الاصطناعي، مما يجذب بدوره المستثمرين. ففي شانغهاي وحدها، تمّ ضخّ أكثر من 4 مليارات يوان من الاستثمارات لدعم الشركات الناشئة العاملة في قطاع الذكاء الاصطناعي.

أما بالنسبة لروسيا، يُعتبر قطاع التعليم من أكثر القطاعات الواعدة للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي. إذ تُقبل جميع الشركات التكنولوجية، بلا استثناء، على الاستثمار في قطاع التعليم، وعادةً ما يتجسد ذلك في تطوير منصات للتعليم المهني، تشمل طلاب المدارس والجامعات. وقد تطرق السيد غيرمان غريف إلى هذا الموضوع أثناء النقاش، مُضيفًا: في سياق التعليم، لا يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يُغني عن دور المعلم. فتنشئة الإنسان عمليةٌ دقيقةٌ لا يُمكن إتمامها على الوجه الأمثل إلا من قِبل إنسانٍ آخر، لذا فإنّ شخصية المعلم تُمثل ركنًا أساسيًا في هذه العملية. إنّ أسمى ما يُمكن أن تُقدّمه التكنولوجيا هو رفع مكانة مهنة التعليم، وتحرير المعلم من الأعباء الإدارية، وإعادته إلى مُهمّته الأساسية مع طلابه .

ينظر الروس إلى موضوع التعليم باعتباره قضيةً ملحةً للغاية، ويحرصون على إبراز ذلك خلال حوارهم السنوي مع الرئيس.

في الهند، يكتسب الحصول على التعليم طابعًا مختلفًا ومؤلمًا إلى حد ما. وتتمثل إحدى التحديات في النقص الكبير في عدد المعلمين وهو ما أكده السيد أكاش غوغلاني، مدير سياسة التطوير الرقمي في مؤسسة الهند الرقمية (Digital India Foundation)، في خطابه. مستشهدًا بإحصاءات عالمية ووطنية تُشير إلى أن العالم يفتقر إلى 68 مليون معلم، وأن هذا العدد نفسه هو من الطلاب المحتملين ممن لا يستطيعون الالتحاق بالمدارس. وفي الهند، هناك 120 ألف مدرسة لديها معلم واحد فقط بين موظفيها. وهؤلاء المعلمون مثقلون بالأعمال الإدارية. وهنا لا يقتصر دور الذكاء الاصطناعي على القيام بالمهام الروتينية فحسب، بل يمكنه أيضًا وضع دورات تعليمية مخصصة لكل طالب على حدة بناءً على احتياجاته، بالإضافة إلى إجراء تقييم موضوعي لأدائهم.

كما أكد السيد أكاش غوغلاني أيضًا على ضرورة منع احتكار شركات القطاع الخاص للذكاء الاصطناعي. داعيًا إلى دور فاعل للدولة في هذا المجال. وأيد السيد غيرمان غريف هذا التوجه، مضيفًا أن الذكاء الاصطناعي قادر على تحرير المعلمين من الأعمال الإدارية المرهقة، مما يُمكنهم من تكريس جهودهم للطلاب. وتُمثل هذه المهمة جوهر التكامل بين الذكاء الاصطناعي والمعلمين، مع التأكيد على أن تربية الإنسان وتكوين شخصيته هي مهمة إنسانية خالصة.

يتطلب تطوير الذكاء الاصطناعي دائمًا أهدافًا طموحة واستثمارات ضخمة. لكن لا ينبغي أن ننسى أن هذه عملية ذات منفعة متبادلة. فالذكاء الاصطناعي قادرٌ على أن يُدرَّ على الدولة وعلى قطاع الأعمال عوائدَ مالية.

كما صرّح السيد ألكسندر فيدياخين، النائب الأول لرئيس مجلس إدارة بنك سبيربنك بالقول: تشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيساهم بمبلغ 11.2 تريليون روبل في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بحلول عام 2030 .

وفي المؤتمر أيضًا، تطرق السيد ألكسندر فيدياخين، إلى الكيفية التي يُحدث بها الذكاء الاصطناعي تغييرًا في الاقتصاد والأعمال. وكان التركيز على التجربة الروسية، إلى جانب تجارب أكثر من 20 دولة، منها الهند والصين والإمارات العربية المتحدة والمغرب وإندونيسيا والبحرين وباكستان وإيران وغيرها من الدول. وتعمل العديد من الشركات الآن تحت مظلة التحالف الدولي للذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى توحيد الجهود لتطوير الذكاء الاصطناعي على الصعيد العالمي.

إن الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح التكنولوجيا الرئيسية في القرن الحادي والعشرين، عند استخدامه بكفاءة وأخلاقية، يثبت لنا أنه لا توجد تفاصيل صغيرة أو مشاكل مستعصية على الحل. فمن خلال منظور الذكاء الاصطناعي، يكتسب كل شيء أهمية ويُصبح قابلًا للمعالجة: بدءًا من الاختناقات المرورية والتنقل من خلال المواصلات العامة، وصولًا إلى مكافحة التصحر وتنظيم عمليات الاقتصاد الكلي.


Source link

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com