غزة – صرخة عائلة تكابد الجوع والنزوح: عاجزون أمام جوع أطفالنا، نقدم لهم الماء ليسد رمقهم

https://global.unitednations.entermediadb.net/assets/mediadb/services/module/asset/downloads/preset/Libraries/Production%20Library/31-05-2024_UN%20News_%20Gaza%20Port%201.jpg/image770x420cropped.jpg
خيمة زينات وزوجها الشاب مؤمن أبو عصر، من بين آلاف الخيام المهترئة المكدسة على شاطئ غزة الذي لم يعد مكانا للراحة أو التنزه، بل بات الملاذ الأخير لآلاف العائلات الفلسطينية التي تقطعت بها سبل.
الحرب والتدمير المتواصلان، وأوامر التهجير الإسرائيلية التي لم تبق سوى رقعة صغيرة من مساحة القطاع ليحتشد فيها الفلسطينيون، دفعت بموجات جديدة من المشردين نحو شريط ساحلي ضيق.
على امتداد ميناء غزة البحري، تتكدس صفوف الخيام المهترئة والمتلاصقة على شاطئ البحر، في مشهد يعكس الأزمة الإنسانية الخانقة، والتي وصلت إلى أسوأ أوضاعها بعد أكثر من 600 يوم من الأعمال العدائية المتواصلة.
تحول الميناء المدمر، بعد تدمير كافة مراكب الصيد فيه، إلى مخيم مكتظ، يعج بالحياة القاسية ويخلو من الحد الأدنى من مقومات الحياة.
عائلة فقدت كل شيء
وسط هذا المشهد المأساوي، يعيش الشاب مؤمن أبو عصر وعائلته منذ نحو شهرين في خيمة عشوائية نصبت مما توفر من الشوادر المشققة والحصائر وبعض الحدائد من مخلفات الدمار الذي لحق بالأبنية المجاورة.
يجلس السيد أبو عصر إلى جانب أطفاله أمام خيمتهم المتواضعة، يتأملون صورا على هاتفه الجوال تعيد إليهم ذكريات حياة مضت.
وروى لمراسل أخبار الأمم المتحدة قصة نزوح العائلة من حي الشجاعية شرق مدينة غزة، بعدما أتت الأوامر لجميع السكان بالإخلاء “فورا”، تاركين وراءهم كل ما يملكون.
وقال: “جاءت علينا أوقات نزحنا فيها مرة كل شهرين. كل يوم هو معاناة بنسبة لنا… أتينا إلى ميناء غزة، ولم نستطع أن نحضر معنا طعامنا أو شرابنا أو حتى خيمتنا التي صنعتها من حديد”.
“لا يوجد أي شيء من متطلبات الحياة”. هكذا وصف السيد أبو عصر الوضع في هذا المخيم المبتدع. ولكي يعيل عائلته، ابتدع هو الآخر مهنة لكسب المال، حيث أقام ورشة بمحاذاة الخيمة يصلح فيها خزانات المياه الصغيرة مقابل 5 شيكل، ما يعادل 1.43 دولار أمريكي.

مؤمن أبو عصر يقوم بإصلاح خزان مياه بجوار خيمته.
“أصبحنا نفضل الموت”
وأوضح لمراسلنا أن الخمسة شواكل اليوم في غزة “لا قيمة لها، فكيلو الطحين الواحد بمائة شيكل (28.6$)”، في ظل شح البضائع وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وأضاف: “حالتنا صعبة جدا، ونحن لا ندري ماذا نفعل. والله ما هذه بحياة. أصبحنا نفضل الموت”.
يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إن العملية الإنسانية في غزة من أكثر العمليات التي تواجه العراقيل “في التاريخ الحديث للاستجابة الإنسانية العالمية في أي مكان”. فمنذ آذار/ مارس فرضت السلطات الإسرائيلية طوقا محكما على المساعدات الإنسانية والبضائع، لتسمح في الأسبوعين الماضيين بدخول ما وصفته الأمم المتحدة بـ “نقطة في بحر الاحتياجات” من إمدادات محددة إلى قطاع غزة.
ولم تستطع المنظمة وشركاؤها من ايصال معظم هذه المعونات الضئيلة إلى الناس بسبب القيود الإسرائيلية وانعدام الأمن. وقد نهب معظم ما تم إدخاله إلى القطاع من قبل سكان يائسين يريدون إطعام عائلاتهم في كثير من الأحيان.
“نعيش على المياه”
داخل خيمة عائلة أبو عصر، تغسل زينات – زوجة مؤمن – أواني الطعام القليل الذي تمكنت من الحصول عليه من المطبخ المؤقت الذي أقيم في المنطقة.
تحاول الأم جاهدة أن تطبخ أو توفر طعاما لأطفالها، لكن في أغلب الأيام، لا تجد ما تقدمه سوى الماء.
وقالت لمراسل أخبار الأمم المتحدة في غزة: “بالأمس بكيت كثيرا على حال إبني. يقول لي: يا أمي أريد أن آكل. وقفت عاجزة، لا أعرف ماذا أفعل. لم يأت الطعام من التكية (المطبخ المجتمعي الخيري). ونحن الآن نعيش على المياه العذبة، وأصبحت أوصي أولادي بشرب المياه لكي تسند بطونهم. اليوم الحمد لله حصلنا على طبق من التكية وأكلناه”.

الذباب يحوم على طفل نائم من عائلة أبو عصر في خيمتها.
طفح الكيل
كحال باقي سكان القطاع، يعجز الكلام عن وصف معاناة وأوضاع هذه العائلة المعيشية. فالذباب والحشرات تملأ خيمتهم، فيما تحوم كلاب من حولهم، تنتظر فرصة لتصطاد صغارهم.
وقالت السيدة أبو عصر: “بالأمس، دخل كلب إلى الخيمة وكان يشد بالشادر فيما كان أبني نائما بالقرب منه. اعتقدت أنه كان يشد طفلي، فأخذت بالصراخ وخرج زوجي وطرد الكلب. لا نعرف أين نذهب وماذا نفعل. لقد شردونا. قلوبنا أطفئت. لم يعد بإمكاننا الصبر، انتهى الصبر”.
تقف خيام ميناء غزة شاهدة على مأساة إنسانية متفاقمة، تدفع بالسكان إلى حافة اليأس، حيث لا صوت يعلو فوق صرخات الجوع، ولا مكان آمن يلوذون به سوى البحر.

زينات أبو عصر تتحدث لمراسل أخبار الأمم المتحدة عن المعاناة التي تواجهها عائلتها في غزة.
ولا شيء يعبر عن هذا اليأس أكثر من كلمات السيدة أبو عصر، التي دعت إلى وقف الحرب وإيجاد حل لأهل غزة، “وإلا، فلتجتمع الدول جميعها يدا واحدة وتلقي علينا قنبلة نووية ويريحونا لأننا تعبنا من هذه الحياة. طفح كيلنا”.
مع توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة لم يتبق سوى أقل من 18% من مساحة القطاع كمنطقة يُسمح فيها بوجود المدنيين. أما بقية المساحة، فإما تحت سيطرة إسرائيلية مباشرة أو تعتبر مناطق إخلاء وتتعرض لقصف متواصل.
وقالت الأمم المتحدة إن الوضع الكارثي في غزة “هو الأسوأ منذ بدء الحرب”، مع استمرار القصف في جميع أنحاء القطاع، وخاصة في الشمال حيث أُجبر آخر مستشفى يعمل جزئيا على الإخلاء يوم الخميس.
ووفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، استمر النزوح في جميع أنحاء قطاع غزة، حيث نزح ما يقرب من 200 ألف شخص في الأسبوعين الماضيين فقط.