أحمد بن ركاض العامري: الثقافة مشروع وطني مستدام والكتاب الورقي لا يزال عصياً على الشاشات – أخبار السعودية

بين الرؤية الثقافية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وحنكة الإدارة الثقافية المعاصرة، تتحرك هيئة الشارقة للكتاب لتؤسس مشروعاً تنموياً متكاملاً، لا يقتصر على نشر المعرفة بل على بناء الإنسان. وفي هذا الحوار، يفتح لنا رئيس الهيئة أحمد بن ركاض العامري أبواب رؤيته الخاصة، كمثقف وفاعل في الشأن الثقافي العربي، ليحدثنا عن الكتاب والهوية، عن القراءة والفكر، وعن الشارقة كمحور ثقافي عالمي.
منطلق الرؤية الثقافية في الشارقة
• من موقعكم، أين تمضي الشارقة بمشروعها الثقافي بقيادة صاحب السمو ورعاية الشيخة بدور؟
•• الشارقة لا تنظر للثقافة كزينة شكلية أو موسمية، بل كمشروع متكامل لبناء الوعي وتنمية الإنسان. مشروع بدأ منذ عقود على يد صاحب السمو حاكم الشارقة، ويستمر بتوجيهاته ورعاية الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي؛ التي تترجم هذا التوجه إلى أفعال ومبادرات محلية وعالمية. الثقافة هنا ليست فعلاً معزولاً، بل ركيزة أساسية من ركائز التنمية المستدامة.
إن المشروع الثقافي في الشارقة دائم المواكبة لطبيعة التحولات العالمية، يقدم أدوات المعرفة والنقد والتفكير، ويشكل جزءاً حياً من دورة التطور المستدام التي تشهدها الإمارة في كافة القطاعات.
الجزء الأول:
أسئلة شخصية
• هل يحمل الكتاب ثقافته الخاصة، أم أنه انعكاس لثقافة كاتبه؟
•• الكتاب يحمل طبقات متعددة من المعنى؛ فهو نتاج تجربة الكاتب، وامتداد لثقافة المجتمع، ووسيلة لنقل الثقافة الإنسانية. إنه نافذة على العالم بأسره.
• في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ما الذي لا يزال يملكه الكتاب الورقي ولا تستطيع الشاشة سرقته؟
•• الكتاب الورقي يحتفظ بعلاقة وجدانية وحسية فريدة. هو طقس من التأمل، وعلاقة شخصية لا تستطيع الشاشة محاكاتها. يحتفظ بآثار الزمن، وملاحظات القارئ، وإهداءات المؤلفين، ما يجعله تجربة إنسانية لا يمكن رقمنتها بالكامل.
• هل ترى أن المجتمعات تُبنى أولاً بالقراءة، أم أن القراءة تأتي نتيجة لبناء المجتمع؟
•• العلاقة تكاملية. لا توجد قراءة بدون بيئة حاضنة، ولا مجتمع متماسك دون وعي قرائي. المجتمعات التي تحتفي بالمعرفة هي التي تزدهر.
• برأيك، ما العلاقة بين الهوية الثقافية والأدب المحلي؟ وهل يمكن أن يفقد الإنسان هويته إذا انقطعت صلته بلغته؟
•• الأدب المحلي مرآة الهوية وذاكرة المجتمع. اللغة هي وعاء الثقافة، والانقطاع عنها اغتراب عن الذات والتاريخ.
• هل تؤمن بأن القراءة يمكن أن تكون فعل مقاومة؟ مقاومة للجهل، للسطحية، وربما حتى للزمن؟
•• نعم، القراءة مقاومة للجهل، للتبعية، للتكرار. هي ما يُبقي الذاكرة حية، وتمنح الإنسان أدوات التفكير النقدي والوعي والتحرر.
• كيف تصف اللحظة التي يُمسك فيها الطفل أول كتاب له؟ وهل نولد بحاجة للقراءة، أم نتعلمها كحاجة مكتسبة؟
•• الطفل يولد بالفضول، والكتاب هو الوسيط الذي يُشبع هذا الفضول ويوجّهه نحو المعرفة والاكتشاف.
• ما تعريفك الشخصي للمثقف؟ وهل كل قارئ مثقف؟
•• المثقف ليس من يقرأ فقط، بل من يربط المعرفة بواقع مجتمعه. هو من يُسائل ويعيد طرح الأسئلة. الثقافة موقف، لا تراكم معلومات. ليس كل قارئ مثقفاً، فالمثقف يحمل مسؤولية فكرية تجاه مجتمعه.
• هل مرّ بك كتاب غيّر رؤيتك للعالم؟ وكيف ترى قدرة الكتب على تشكيل وعي الإنسان؟
•• كل كتاب يترك أثراً. التغيير لا يحدث فجأة، بل يتراكم تدريجياً عبر الفهم والتحليل والتأمل.
• برأيك، إلى أي مدى يمكن للمعارض والفعاليات الثقافية أن تصنع حواراً حضارياً حقيقياً بين الشعوب؟
•• هي منصات إنسانية عابرة للحدود. تفتح نوافذ على ثقافات الآخر، وتبني فهماً مشتركاً، وتعزز قيم الاحترام المتبادل.
• هل تعتقد أن الكتاب هو امتداد للزمن أم محاولة للهرب منه؟
•• الكتاب يُعيد تشكيل الزمن. يجعل اللحظة أعمق، ويفتح أزمنة متعددة نعيشها في القراءة، ويحفظ التجربة الإنسانية.
• من خلال تجربتك، هل الثقافة فعل فردي أم مسؤولية جماعية؟
•• الثقافة تبدأ من المبادرة الفردية، لكن نجاحها وتحولها إلى مشروع يحتاج بيئة ومؤسسات ومجتمعاً. إنها تفاعل دائم بين الفرد والجماعة.
الجزء الثاني: هيئة الشارقة للكتاب
• هيئة الشارقة للكتاب ليست مجرد مؤسسة، بل مشروع حضاري. كيف تصف الرؤية التي انطلقت منها، وإلى أين تتجه اليوم؟
•• الهيئة تسير على نهج مشروع ثقافي شامل. تسعى إلى دمج الثقافة في التنمية، وتعزيز مكانة الشارقة عالمياً، وتطوير صناعات المعرفة والنشر والترجمة.
• ما الذي يجعل من معرض الشارقة الدولي للكتاب حدثاً عالمياً مختلفاً عن بقية المعارض؟ هل هو التنظيم، الرؤية، أم روح الشارقة الثقافية؟
•• ليس مناسبة موسمية، بل منصة حضارية للحوار. يعزز الترجمة، حقوق النشر، وصناعة الكتاب. يُعد من أكبر معارض الكتب عالمياً، ويستقطب جمهوراً من مختلف الجنسيات والثقافات.
• إلى أي مدى تعكس الثقافة سياسة تنموية في الشارقة؟
•• منذ البداية، تم التعامل مع الثقافة كجزء من التنمية الشاملة، وليس كقطاع مستقل. خُططت البنية الثقافية في الإمارة لتكون جزءاً من مشروع إنساني طويل الأمد.
• كيف تقيسون أثر الجهود التي تبذلها الهيئة في صناعة جيل قارئ ومثقف؟ هل من معايير لقياس التغيير الثقافي؟
•• نقيسه من خلال التحول في طريقة التفكير، وانتشار الوعي النقدي، وازدهار المواهب. الثقافة ليست معادلة رقمية، بل فعل تراكمي يثمر على المدى البعيد.
• هل يمكن للثقافة أن تنافس الاقتصاد في التأثير؟ وكيف يمكن تحويل المعرفة إلى مشروع وطني مستدام؟
•• الثقافة لا تنافس الاقتصاد، بل تؤسسه. إنها المحرك الخفي الذي يمنح الاقتصاد بعداً إنسانياً ويخلق بيئة للإبداع والابتكار.
• كيف تتعامل الهيئة مع التحديات الرقمية؟
•• نتبنى نهجاً متوازناً، ندمج بين الأصالة والحداثة. نطلق منصات رقمية، وندعم المحتوى الجاد، ونشرك الأجيال الجديدة في هذه الرحلة.
• ما دور الشارقة في إعادة تموضع الثقافة العربية عالمياً؟
•• الشارقة اليوم ليست مجرد مدينة ثقافية، بل منصة عربية للعالم. المعارض والبرامج والترجمات كلها تسهم في تقديم الثقافة العربية بلغة يفهمها الآخر.
• هل للمكان ذاكرة ثقافية؟ وما أثر جغرافيا الشارقة؟
•• نعم، لكل مكان ذاكرته. والشارقة بحكم موقعها وتاريخها احتضنت التعدد والانفتاح، مما صاغ هويتها الثقافية المتوازنة بين الأصالة والحداثة.
• ما أبرز التحديات التي واجهتها في مسيرتك؟
•• أبرز التحديات كانت التوفيق بين الطموح الكبير والموارد. لكن كل تحدٍ يُضيف للخبرة، ويعمق الإيمان بضرورة العمل الثقافي طويل النفس.
• لو كتبت كتاباً عن تجربتك، ما عنوانه؟ ولماذا؟
•• «شارقة سلطان»؛ لأنه يُجسد الامتنان والتقدير لرؤية صاحب السمو، التي جعلت من الثقافة خياراً وطنياً إستراتيجياً.
• مهرجان الشارقة القرائي للطفل.. كيف يُنمّي هذا المهرجان حب القراءة لدى الأطفال؟
•• من خلال تحويل الكتاب إلى تجربة ممتعة وتفاعلية. المهرجان يشرك الأسرة، ويقدم برامج متنوعة تجمع بين المسرح والورش والقصة، ليصبح الكتاب صديقاً للطفل وليس عبئاً.
• ما الذي يجعل معرض الشارقة مختلفاً عن غيره من المعارض؟
•• هو ملتقى للأفكار لا مجرد سوق للكتب. يجمع الثقافات، ويفتح حوارات معرفية، ويمنح كل مشارك تجربة غنية بالمعرفة والتنوع.
السيرة الذاتية
أحمد بن ركاض العامري:
رئيس هيئة الشارقة للكتاب، أحد أبرز الفاعلين في المشهد الثقافي العربي، وصاحب تجربة طويلة في إدارة المشروعات الثقافية والتنموية. شغل منصب مدير معرض الشارقة الدولي للكتاب، ومثل دولة الإمارات في أغلب معارض الكتاب حول العالم. كان لحضوره الفاعل في المعارض الدولية أكبر الأثر في إحداث أثر ملموس لمشاركة هيئة الشارقة للكتاب في تلك المعارض العالمية، وقاد العديد من المبادرات لتعزيز الحضور الثقافي العربي عالمياً. يُعرف برؤيته المتوازنة بين الأصالة والابتكار، وبإيمانه أن الثقافة ركيزة مركزية في بناء الإنسان والمجتمع.
أخبار ذات صلة